مازاغ البصر وما طغى
فهذا وصف لكمال أدبه صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانباً ولا تجاوز مارآه وهذا كمال الأدب والإخلاص به أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله أو يتطله أمام المنظور فالالتفات زيغ والتطلع طُغيان ومجاوزة
وفي هذه الآية الكريمة و أسرار عجيبة وهي من غوامض الآداب الائقة بأكمل البشر صلى الله عليه وسلم تواطأ هناك بصره وبصيرته , وتوافقاً وتصادقاً فيما شاهده بصره ولهذا قال سبحانه ( ماكذب الفؤاد مارأى ) أي ما كذب قلبه مارأته عيناه ولم يتجاوز البصر حده فيطغى , ولم يَمِا عن المرئي فيزيغ , فإنه أقبل على الله بالكُلية فلم يزغ التفاتاً عن الله إلى غيره ولم يطغ بمجاوزته مقامه الذي أُقيم فيه , وهذا غاية الكمال والأدب مع الله عزوجل
فإن عادة النفوس , إذا أقيمت في مقام عال رفيع , أن تتطلع إلى ماهو أعلى منه وفوقه
ألا ترى موسى صلى الله عليه وسلم لما أقيم في مقام التكليم والمناجاة , طلبت نفسه الرؤية
ونبينا صلى الله عليه وسلم لما أقيم في ذلك المقام , وكان حقه فلم يلتفت بصره ولا قلبه إلى غيرما أقيم فيه ولأجل هذا ماعاقه عائق ولا وقف به مراد حتى جاوز السبع الطباق حتى عاتب موسى ربه فيه وقال :
يقول بنو إسرائيل :
إني كريم الخلق على الله وهذا قد جاوزني وخلفني علوا فلو أنه وحده ولكن مع كل أمته
وفي رواية البخاري فلما جاوزته بكى , قيل : مايُبكيك؟
قال : أبكي أن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثرها مما يدخلها من أمتي
ولهذا كان مركوبه في مسراه يسبق خطوة الطرف فيضع قدمه عند منتهى طرفه فكان قدم البُراق لا يختلف عن موضع نظره كما قدمه صلى الله عليه وسلم لا يتأخر عن محل معرفته , فلم يزل صلى الله عليه وسلم في كمال أدبه مع الله وتكميل مراتب عبوديته له حتى خرق حُجُبَ السموات وجاوز السبع الطباق وجاوز سدرة المنتهى ووصل إلى محل من القرب به الأولين والآخرين فانصبت
إليه هناك أقسام القرب انصاباً واقشعت عنه سحائب الحجب ظاهراً وباطناً حجاباً حجابا ,وأُقيم هناك مقاماً غبطه به الأنبياء والمرسلون
فإذا كان في المعاد أقيم مقاماً من القرب ثانياً يغبطه به الأولون والآخرون
فيُقيمه على الصراط يسأله السلامة لأتباعه وأهل سنته حتى يجوزونه إلى جنات النعيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
وآخر دعوانا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire