يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز :
( ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فيبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)
هذه خمسة أَقْسَم إبليس عليها
أحدها : اتخاذ نصيب من عباد الله وهو اختياره إياهم
والثاني : إضلالهم وهو صرفهم عن الهداية وأسبابها
والثالث : تمنيته لهم وهو التسويل ولاينحصر في نوع واحد لأنه يُمَني كل إنسان بما يناسب حاله من طول عمر وبلوغ وطر وغير ذلك وهي كلها أماني كواذب باطلة
وقيل الأماني تأخير التوبة
وقيل هي اعتقاد أن لاجنة ولا نار ولابعث ولا حساب
قال الزمخشري :
( ولأمنينهم الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال ورحمة الله تعالى للمجرمين بغير توبة والخروج من النار بعد دخولها بالشفاعة ونحو ذلك)
والرابع : أمره إياهم الناشئ عنه تبتيك آذان الأنعام وهو فعلهم بالبحائر كانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكراً وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها
وقيل فيه إشارة إلى كل ما جعله الله عزوجل كاملاً بفطرته فجعل الإنسان ناقصاً بسوء تدبيره .
والخامس : أمره إياهم الناشئ عنه تغيير خلق الله .
قال ابن مسعود والحسن :
هو الوشم وما جرى مجراه من التصنع للتحسين فمن ذلك الحديث في لعن الواشمات المُغيرات لخلق الله هو أن كل ما يوجده اله لفضيلة فاستعان به في رذيلة فقد غير خلقه .
وقد دخل في عمومه ما جعله اله تعالى لإنسان من شهوة الجماع يكون سبباً للتناسل على وجه مخصوص فاستعان به في السفاح واللواط فذلك تغيير خلق الله , وكذلك المُخنث إذا نتف لحيته وتقنع تشبهاً بالنساء , والفتاة إذا ترجلت مُتشبهة بالفتيان .
وجاء ترتيب هذه الجمل المقسم عليها في غاية من الفصاحة بدأ أولاً :
- باستخلاص الشيطان نصيباً منهم واصطفائه إياهم .
-ثانيا : بإضلالهم وهو عبارة عما يحصل في عقائدهم من الكفر
- ثالثاً :بتمنيهم الأماني الكواذب والأطماعات الفارغة .
- رابعاً : بتبتيك آذان الأنعام هو حكم لم يأذن لله فيه
- خامساً : بتغيير خلق اله وهو شامل للتبتيك وغيره من الأحكام التي شرعها الله لهم وإنما بدأ بالأمر بالتبتيك وإن كان مندرجاً تحت عموم التغيير ليكون ذلك استدراجاً لما يكون بعده من التغيير العام , واستيضاحاً من إبيس طواعيتهم في أول شيء يلقيه إليهم فيعلم بذلك قبولهم له فإذاقبلوا ذلك أمرهم بجميع التغييرات التي يريدها منهم كما يفعل الإنسان بمن يقصد خداعه يأمره أولاً بشيء سهل فإذا رآه قد قبل ما ألقاه إيه من ذلك أمره بجميع ما يريد منه .
وإقسام إبليس على هذه الأشياء ليفعلنها يقتضي علم ذلك وأنها تقع إما :
لقوله تعالى لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين
أو لكونه علم ذلك من جهة الملائكة أو لكونه لما استزل آدم علم أن ذريته أضعف منه .
والله تعالى أعلى وأعلم
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire